فصل: حركة السلطان إلى الزاب.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.حركة السلطان إلى الزاب.

كنت أنهيت بتأليف الكتاب إلى ارتجاع توزر من أيدي ابن يملول وأنا يومئذ مقيم بتونس ثم ركبت البحر منتصف أربع وثمانين وسبعمائة إلى بلاد المشرق لقضاء الفرض ونزلت بالاسكندرية ثم بمصر ثم صارت أخبار المغرب تبلغنا على ألسنة الواردين فمن أول ما بلغنا بعدها حركة السلطان إلى الزاب سنة ست وثمانين وسبعمائة وذلك أن أحمد بن مزني صاحب بسكرة والزاب لعهده كان مضطرب الطاعة متحيزا على السلطان وكان يمنع في أكثر السنين المغارم معولا على مدافعة العرب الذين هلكوا بضواحي الزاب والتلول دونه وأكثر وثوقه في ذلك بيعقوب بن علي وقومه الزواودة وقد مر طرف من أخباره مثبوتا في أخبار الدولة وكان ابن يملول قد أوى إلى بلده واتخذ وكرا في جوه وأجلب على توزر مرارا برأيه ومعونته فاحفظ على ذلك السلطان ونبه له عزائمه.
ثم نهض سنة ست وثمانين وسبعمائة يريد الزاب بعد أن جمع الجموع واحتشد الجنود واستألف العرب من بني سليم فساروا معه وأوعبوا ومر على فحص تبسه ثم خرج من طرف جبل أوراس إلى بلد تهودا من أعمال الزاب اعصوصب الزواودة ومن معهم من قبائل رياح على المدافعة دون بسكرة والزاب غيرة من بني سليم أن يطرقوا أوطانهم أو يردوا مراعيهم إلا بني سباع بن شبل من الزواودة فإنهم تحيزوا إلى السلطان استنفر ابن مزني حماة وطنه ورجالة قومه من الأثبج فغصت بسكرة بجموعهم وتواقف الفريقان وأنالهم السلطان القتال أياما وهو يراسل يعقوب بن علي ويستحثه لما كان يطعمه به من المظاهرة على ابن مزني ويعقوب يخادعه بانحراف قومه عنه وائتلافهم على ابن مزني ويرغبه في قبول طاعته ووضع أوزار الحرب مع رياح حتى تتمكن له فرصة أخرى فتقبل السلطان نصيحته في ذلك وأغضى لابن مزني ولرياح عنها وقبل طاعته وضريبته المعلومة وانكفأ راجعا ومر بجبل أوراس ثم إلى قسنطينة فأراح بها ثم ارتحل إلى تونس فوصل إليها منتصف سنة ثمانين وسبعمائة.

.حركة السلطان إلى قابس:

كان السلطان قد فتح مدينة قابس سنة إحدى وثمانين وسبعمائة وانتظمها في أعماله وشرد عنها بني مكي فذهبوا إلى نواحي طرابلس وهلك كبيرهم عبد الملك وعبد الرحمن ابن أخيه أحمد وذهب ابنه يحيى إلى الحج وأقام عبد الوهاب بزنزور ثم رجع إلى جبال قابس يحاول على ملكها واستتب له ذلك بوثوب جماعة من أهل البلد بعاملها يوسف بن الآبار من صنائع السلطان بقبح إيالته وسوء سيرته فداخلوا جماعة من شيعة ابن مكي في ضواحي قابس وقراها وواعدوهم فجاؤا لميعادهم وعبد الوهاب معهم واقتحموا باب البلد وقتلوا البواب وقصدوا ابن الآبار فقتلوه في مسكنه سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة وملك عبد الوهاب البلد واستقل بها كما كان سلفه.
وجاء أخوه يحيى من المشرق فأجلب عليه مرارا يروم ملك البلد منه فلم يتهيأ له ذلك ونزل على صاحب الحامة وأقام عنده يحاول أمر البلد منها فبعث عبد الوهاب إلى صاحب الحامة وبذل له المال على أن يمكنه منه فبعث به إليه فاعتقله بعض العروسيين وأقام يراوغ السلطان على الطاعة ويبذل ماله في أعراب الضاحية من دباب وغيرهم للمدافعة عنه ومنع الضريبة التي كانوا يؤدونها للسلطان أيام طاعتهم والسلطان مشغول عنهم بهمه فلما فرغ من شواغله بأفريقية والزاب نهض إليه سنة تسع وثمانين وسبعمائة بعد أن اعترض عساكره واستألف من العرب أولياءه وسرب فيهم عطاءه ونزل على قابس وقد استعد لها وجمع الآلات لحصارها فاكتسح نواحيها وجثم عليها بعساكره يقاتلها ويقطع نخيلها حتى أعاد الكثير من ألفافها براحا وموج الهواء في ساحتها فصح إذ كانوا يستوخمونه لاختفائه بين الشجر في مكائف الطلال وما يلحقه في ذلك من التعفن فذهب عنها ما كان يعهد فيها من ذلك الوخم رحمة من الله أصابتهم من عذاب هذا السلطان وربما صحت الأجسام بالعلل ولما اشتد بهم الحصار وضاق المخنق وظن ابن مكي أنه قد أحيط به استعتب للسلطان واستأمن فأعتبه وأمنه ورهن ابنه على الطاعة أداء الضريبة وأفرج عنه السلطان وانكفأ راجعا إلى تونس واستقام ابن مكي حتى كان من تغلب عمه يحيى عليه ما نذكره.

.رجوع المنتصر إلى ولايته بتوزر وولاية أخيه زكريا على نفطة ونفزاوة.

كان العرب أيام ولاية المنتصر بتوزر قد حمدوا سيرته واصفقوا على محبته والتشيع له فلما رجع السلطان عن قابس وقفوا إليه في طريقه إلى أن تولى المنتصر على بلاد الجريد كما كان ورده إلى عمله بتوزر وتولى ذلك بنو مهلهل وأركبوا نساءهم الظعن في الهوادج واعترضوا بهن السلطان سافرات مولولات دخلاء عليه في إعادة المنتصر إلى توزر لما لهم فيه من المصالح فقبل السلطان وسيلتهن وأعاده إلى توزر ونقل ابنه زكريا إلى نفطة وأضاف إليها عمل نفزاوة فسار إليها واستعمل بعمله وأظهر من الكفاية والاضطلاع ما تحدث به الناس عنه وكانت ولايته أول سنة تسعين وسبعمائة.